سينما

عن فيلم The platform

عن فيلم The platform

قديمًا كان الأصدقاء يعطوننا النصيحة بعدم تناول أطعمة أو مشروبات كثيرة قبل فيلم معين؛ كنايةً عن كونه فيلم رعب أو يثير الاشمئزاز، لم أتبع هذه النصيحة يومًا أو أصدقها، حتى شاهدت الفيلم الإسباني: المنصة. هذا الفيلم هو من الأنواع المفضلة بالنسبة للمنتجين، أماكن مغلقة محدودة، ممثلين أغلبهم غير معروف، ملابس عادية، الكنز في الحبكة.

تدور أحداث الفيلم في مكان لا تعرف إن كان حقيقيًا أو تخيليًا، في عصرنا أو في زمنٍ موازٍ.. لا يهم، فالمهم هو أنه عبارة عن سجن طويل يحتوي على مئات الطوابق.. وفي كل طابق يقبع سجينين داخل زنزانة وكل يوم تهبط “منصة” ضخمة من الطعام من أول طابق هبوطًا نحو الطابق الأخير، تهبط بشكل ميكانيكي منتظم من خلال فتحة دائرية في منتصف كل زنزانة..
الفيلم يُصنَف خيالًا علميًا.. وهو من نوعية الأفلام التي لا يمكن أن تشاهدها سوى مرة واحدة في العمر، لأسباب كثيرة أهمها “الاشمئزاز” وثانيها أن عنصر الجذب والإثارة يعتمد على المشاهدة الأولى، فإن أطلت التفكير في الأحداث سيختفي الانبهار.

تبدأ الأحداث باستيقاظ بطل الفيلم الشاب وبجواره رجل عجوز، نتعرف على العالم الخاص بنا، وهو السجن متعدد الطوابق، وأنه بلا أبواب ولا يمكن الهروب منه بأي شكل من الأشكال.. نعرف كذلك أن كل سجين يختار شيئًا واحدًا يدخل به الزنزانة، وقد اختار السجين كتابًا، بينما اختار العجوز سيكنًا، وفي هذا رمزية أيضًا على أن المرء حتى وإن كان القدر يدفعه لبعض الأحداث، إلا أنه وحده من يختار كيفية التعاطي معها، والأدوات التي يستعملها في مواجهة الصعاب المختلفة.

على الرغم من عدم واقعية الفكرة إلا أن صناعها استخدموا تقنيات شديدة الواقعية في التصوير والعرض والتمثيل كذلك، فتتوحد في بعض الفصول مع العالم، وتنسى انه مجرد إسقاط أو خيال.. يضغط الفيم على فكرة الخوف لدى الإنسان، الخوف من الموت، والخوف من الجوع، والخوف من أن يُسلَب حقه..

الرمزية الوحيدة التي أعجبتني في الفيلم هي أن السجن ليس فقط للمذنبين؛ وإنما هو لكل من لديهم رغبة في شيء في الحياة، فقد دخل البطل لرغبته في التوقف عن التدخين ولاستكمال دراسته.. وهذا هو مضمون الحياة، ليست كل من فيها مذنب، وليس كل من فيها جائع للإنجاز والنجاح، وإنما هي خليط من هذا وذاك، وكذلك ممن يحرك الإثنين.

ما أعجبني في الفيلم هو التعمق في كل رمزية، حتى وإن كان الإسقاط نفسه سطحيًا، لكن صناع “المنصة” سبروا أغوارها بنجاح؛ تفاصيل مثل إصابة الأثرياء (أو سكان الأدوار العليا) بالملل، وشعورهم بالحزن وسعيهم خلف مشاكل أخرى لديهم على الرغم من توفر الطعام، فيما يشبه ما يحدث في الواقع حين ينتحر رجل ثري لأن حياته فقدت المعنى ولم يجد ما يقدمه.. كذلك تفاصيل غياب التعاون والثقة بين طبقة الفقراء، فهؤلاء إن تعاونوا قهروا الأغنياء، لكنهم في كثير من الأوقات وبحكم ضغوطات الحياة يتسمون بالانانية والرغبة في البقاء (راجع مراجعة فيلم Parasite على منصة شخابيط).

حاول الفيلم التعرض لمفهوم الاشتراكية واستبيان سبب فشله في العالم الواقعي؛ فالبطل في منتصف الأحداث قرر التنقل بين الطوابق ليقنع سجناء كل طابق بأخذ جزء محدد فقط من الطعام وترك الباقي لمن هم أسفل منه، لكن بالطبع السجناء لم يوافقوا على هذا الاقتراح، حتى الفقراء لم يقتنعوا، وكأن الفيلم يقول أن الحل ليس في الرأسمالية التي تجعل فقط سكان الطبقات العليا من يحصلون على الطعام دون غيرهم، ولا في الاشتراكية التي تجعل الجميع متساوون دون شرط أو قيد فيصبح المجتمع كسولًا طالما أن الفرد سينال قوت يومه سواء عمل أو لم يعمل.. ولكن الحل في “العدالة”؛ والتي تضع شروطًا للحصول على الطعام، ولكن بعد تلبية الاحتياجات الأساسية.. فكان من الممكن للبطل أن يختار صنفًا معينًا على طاولة الطعام يكفي لحياة جميع المساجين ونجاتهم جميعًا، ويجعله إجباريًا، لا تأخذ منه سوى قطعة واحدة، أما باقي الطاولة فتأخذ منها حسب ما يمكنك تقديمه للآخرين.

 وأظن ان هذه الرمزية المباشرة هي ما تعيب الفيلم، حتى وإن أعجبت الجمهور، فتشبيه الطبقات الاجتماعية بالطوابق والثروات بطبق الطعام الضخم الذي تأخذه كاملًا الطبقات الأولى، بل وتسعى لإفساده حتى لا يصل الطبقات الدنيا هو تشبيه واضح، رمزية مكشوفة يدركها أي مشاهد.. وأظن هذا ضد قواعد الإسقاط من الأساس.. ولكن كما اتفقنا؛ الكنز في الحبكة.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى