“لوح خشبى” قصة قصيرة مرعبة
قصة قصيرة مرعبة “لوح خشبى”
إرتجفت مقلتاه تحت جفنيه منبأة بالوعى الذى بدأ يزحف إلى عقله. بدأ فى فتح عيناه فتسللت حبات التراب بين رموشه فصعبت مهمته فى فتح عيونه فأسرع بمد كفه ليزيح التراب و لكنها عصته لم يستطع تحريك ذراعه الأيمن.
بالكاد استطاع إيصال أنامل يده اليسرى إلى عينه. و أخيرا تحركت عيناه مستعده لرؤية ذلك المحيط الضيق المطبق على جسده الصغير. فإذا به يجد حاله متكورا فى تجويف مظلم سقفه لوح خشبى. ساقه اليمنى المطوية تحت جسده تطال جسم طرى نوعا ما له ملمس يشبه النسيج الناعم أما ساقه الأخرى فهى نصف ممددة أمامه لاتصل إلى أى شىء.
بعد لحظات بدأت عيناه تلتقط ثقب ضيق على مدى بصره القصير قد هربت من خلاله نقطة ضوء باهتة رفيعة هذيلة فأدرك أن السطح الخشبى لا يغطى الرقعة كلها و أنه ليس ببعيد عن السطح.
حاول تعديل وضعيته فبدأ اللوح الخشبى فى التحرك فوق رأسه و شعر بتراب ينسكب فوق ساقه اليسرى مما أحدث غبرة مكتومة أعاقت أنفاسه للحظات فقرر أن يقضى ما بقى له من وقت فى سبات فلا داع لتصعيب النهاية أكثر من ذلك.
و لما خلص إلى أنه لن يحاول الخروج و أدرك ان ها هنا المستقر بدأت ألسنة الرعب تلتهم أعصابه و بدأت طبول قلبه فى القرع حتى زلزلت جسده بأكمله فأثارت بركان خوف و يأس فى صدره أسفر عن حمم محملة بالدموع إندلعت من عيناه فتأمل أن تسبق كف أمه دمعاته فتكفكفها كما اعتاد، ففتح فمه مناديا عليها و لكن النداء كان محبوسا مكتوما ككل شىء فى تلك الفجوة.
تذكر آخر لحظة جمعته بأمه، كان يبكى تماما مثل الآن. كانت تضمه إلى صدرها و تحاول تهدئته. استحضر وجهها أمام عيناه و كلماتها و هى تقنعه أن يتوقف عن البكاء فلابد أن يتشارك مع أخيه الألعاب فمشاركة الأخوة هى المتعة بذاتها.
أجل يا أمى مشاركة الأخوة!! أين أخى ؟! أطلق نداءا مكتوما آخردون رجاء. لو كان أخى هنا يشاركنى هذا الجحر لربما كنت مطمئنا. لابد أنه قريب فقد كان ثلاثتنا بذات الغرفة. كنت أتشاجر مع أخى حتى لا يشاركنى اللعب و عندما أصر على أخذ اللعبة منى بكيت فأتت أمى مسرعة. و لكن أخذتنى خارج الغرفة و هى تواسينى … نعم تركنا أخى فى غرفة اللعب. إذا لا يمكن أن يكون قريبا!!!
شعر باليأس ثم جالت بفكره ذكرى لمسة أمه على خده فسرت القشعريرة بجسده و أنهمرت موجة جديدة من الدموع المحملة باللوعة. وقتها كان متوسدا صدرها جالسا على فخذها و هى تراضيه. إذا فلابد أن أمى قريبة هنا حولى.
حاول أن يحرك ساقه اليمنى ليستكشف محيطه فأثار غضب التراب مرة أخرى فتهاوى على جسده و حشرج أنفاسه ثانية فأخذ يتحسس ذلك الكيان أسفل قدمه و قرر أن يمضى الوقت فى إعمال عقله لمعرفة ماهيته. يتحسسه بأصابع قدمه … ملمسه كالقماش يغوص كلما ضغطت عليه. لو كان أخى معى لأستطاع معرفة ما هو. فهو ذكى جدا.
لو أن الزمن يعود لما كنت تشاجرت معه أبدا لو أنى أعلم أن ما هى إلا لحظات تفصل بينى و بين فقدانه للأبد لكنت سمحت له باللعب بكل ألعابى و لكن الإنفجار لم يمهلنى … فى طرفة عين سمعت دوى الإنفجار، شعرت و كأن رأسى ترتطم بجبل محدثة أقوى طنين شهده العالم لا أذكر إلا نظرة أمى المذعورة و بعدها وجدتنى هنا. لم أحصل على وقت لأجرى و أحتضنه أو حتى لأتشبث بجلباب أمى الكشميرى. أجل لقد كان من الكشمير كان ملمسه تماما مثل ذلك النسيج الذى أطأه بقدمى منذ أفقت.
هالته الخاطرة!! أتكون هذه أمى؟ دفع أنامل قدمه بصعوبة مرات متالية محاولا إيقاظها إن كانت هى و بعد مجهود أقنع نفسه أن لو كانت أمه لكانت أفاقت على إثر ركلاته أما و أنها لم تفيق فبالتأكيد ما تلك إلا مرتبة أو شىء من هذا القبيل أو ربما لا …. و قاطع أفكاره صوت خطوات تقترب فوق رأسه فأرهف السمع عله يتخيل فأقتربت الخطوات أكثر فتبين أنها حقيقة فبدأ بإطلاق ندائات و لكن لا يبدو أنها ستسمع فهو كالكنز المطمور فى صندوق خشبى مدفون تحت التراب.
فانتبه لللوح الخشبى فوق رأسه فحاول أن يصل بذراعه السليم إليه فيطرق عليه و لكن الأمر صعب فلو استطاع تحريك ذلك الذراع ستنهار الكتلة الترابية التى تحتجزه و هو لا يعلم ماذا ستكون النتيجة.
حاول تحريك الذراع المصاب مرارا و لم يستطع. واصل النداء و لكن لا فائدة. سمع الخطوات تقترب تكاد تصل إلى فوق رأسه مباشرة، فحسم أمره سيجذب ذراعه أيا كانت العواقب فإما يجد منقذا أو ليموت و يرتاح. حاول المرة بعدالأخرى إلى أن تحرك ذراعه و بدأت كومات من التراب تصفع وجهه و تملأ الفجوة من حوله أصبح الصراخ مستحيلا أمله الوحيد هو اللوح الخشبى أطال ذراعه إليه.
بعد محاولات مريرة و ها قد وصل إليه و طرقه ظانا أنه سيحدث ضجيجا عاليا من شدة الطرق و لكن واقع الأمر أن الطرقات كانت ضعيفة متلاشية لم تلفت انتباه أصحاب الخطوات. شعر بهم يبتعدون حاول و حاول و لكن بلا جدوى لم يعد هناك مساحة للتنفس علم أن النهاية اقتربت استحضر تلك الذكرى له بين عائلته الصغيرة الدافئة و استسلم على صدر أمه فى خياله و فيما هو كذلك سمع خطوات تلاها أصوات نبش قريب فأنتفضت كل حواسه.
كانت ذراعه الممدودة للأعلى مثبته بما انهار من تراب و كفه فقط حرة و قريبة بما يكفى من اللوح الخشبى فأخذ يدق على اللوح متاملا أن يكون وحده هو المصاب و أن يخرج ليجد أخيه و أمه أمامه.
طرق و طرق والأصوات تتداخل فوق رأسه شعر و كأنه أمضى ساعات على تلك الحال و عندما بدأت الأصوات ترتفع استيقظ الأمل فى صدره إلى أن طالت كفه لمسة دافئة أعادت الحياة إلى قلبه البارد بفعل الوحشة. لقد وجدوه تحت الأنقاض.
إنه الخلاص، دقائق مرت كساعات طويلة . وجد نفسه ممدا على الأرض و عيناه تسترق النظر على ذلك المشهد الذى ضج به جسده كله. لقد أخرجوها هى الأخرى و جهها لا يُرى و أنفاسها قد ذهبت بلا عودة و قلبها قد غفا بغير صحوة.
حاول أن يذهب ليضمها و لكن عظامه المهشمة لم تسمح له و لم ينعم برفاهية أن يجد حوله من يحمله إليها لقد كانوا رجالا أربعة منتشرون فوق الأنقاض محاولون إنقاذ الضحايا. كان أصغر من أن يبتلع المه فى صمت. صرخ و بكى ربما أكثر مما فعل عندما فقد أبيه. يومها كان أخاه و أمه بجانبه أما اليوم فهو وحيد.
بعد وقت لا يعلم قدره وجد نفسه محمولا على ذراعى رجلا لا يعرفه يجوب طرقات مشفى كئيب تفوح منه رائحة الموت و ترج جدرانه صرخات الألم أما عقله هو فقد كان يتأرجح فى الشتات يفكر فى العدم الذى ينتظره. هل كانت فقط ثمان سنوات من العيش كابن لعائلة فى حضن أمه!! هل أصبح الأن من المشردون فى الشوارع بلا أهل! هل سينام فى الطريق؟ بالطبع لن يبقى فى المشفى للأبد! لم ينهار المنزل فقط إذا بل انهارت السماء على الأرض و اعتصرته… لماذا هو؟ لماذا ظل حيا؟ لابد أن يجد طريقة توصله إلى أمه و أخيه. ليته ما طرق اللوح الخشبى أبدا …
أغلق عيناه و الذراعان تسلماه لذلك السرير المتهالك بجانب ذلك الطفل الذى تاهت ملامح وجهه ين الجروح. تسللت الدموع إلى وجنتيه و شعر بأنامل صغيرة تبعدها عن وجهه. شعر بدفأ تلك الأنفاس و نهنهات استطاع أن يميزها ففُتحت جفونه دون ارادته و أدخلت شمس الأمل إلى روحه بعد أن وقع بصره على أخيه ذا الإثنى عشر عاما واقفا بجانبه لا يصدق أن الحياة قد قررت دمل جرح من جراح الجراح التى لم تنته بعد …
اقرأ أيضًا:
“أوتوبيس الموت” قصة رعب حقيقية
سرد القصة جعلنى اشعر أنى انا الموجود تحت الانقاض ♥️
قصة رائعة استمتعت بها وشعرت انى فى قلب الحدث عشت كل الاحداث لحظة بلحظة وكنت متشوقة لمعرفة الاحداث