الحياة والمناخ

الطاقة المتجددة والنظيفة.. ضرورة ولا رفاهية

الطاقة المتجددة والنظيفة.. من 200 سنة بس ولحد القرن الـ18 كنا- البشر كلهم- معتمدين على القوة العضلية للأفراد والحيوانات كمصدر للطاقة وتشغيل الأدوات البسيطة اللي كنا نعرفها، اكتشفنا الطاقة الكامنة في الفحم ومن بعده البترول.

ورغم إن ده قدم دفعه كبيرة للتطور الإنساني مع اختراع الآلات والمحركات وكل مظاهر التكنولوجيا اللي بقت جزء أساسي من حياتنا اليوم، إلا أن التأثير السلبي كان دايما موجود لدرجة إننا بقينا بنهدد وجود البشر نفسهم بعد ما لوثنا الأرض، ودمرنا جزء كبير من النظام الحيوي اللي عاش عليه الإنسان منذ وجوده على الكوكب ده.
حرق الفحم والبترول لتوليد الكهربا والحرارة بقي بيساهم بـ75% من الغازات الدفيئة المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، و90% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض.
القرن العشرين اللي فات عرفنا نولد كهربا من مساقط المية للأنهار، وده كان أول مصدر لطاقة نظيفة ومتجددة مش بتنتج لا غازات دفيئة ولا ثاني أكسيد الكربون، بس المشكلة إن دي مصادرها محدودة ومرتبطة بتوافر الأنهار اللي بتجري بسرعة وتدفق عالي، وده مش متوفر بشكل كبير يسمح بالاعتماد عليها في احتياجاتنا للطاقة.
بس اكتشاف طاقة سريان المية فتح باب التفكير في مصادر جديدة للطاقة تكون متجددة وملهاش نهاية، زي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، اللي بدأنا نحاول نخترع أدوات تسمح لينا بتحويلها لكهربا وحرارة تبقى بديلة عن حرق الفحم والبترول، وكمان لا تنتج أي نفايات تقريبا عشان كدا بنسميها “طاقة نظيفة”.

الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح

بدأنا نصنع خلايا تحول طاقة الشمس لكهربا اللي هي الألواح الشمسية، وتوربينات تتحرك مع الريح وتحولها لطاقة كهربية مباشرة، بس طبعا تكلفة التحويل كانت كبيرة جدا بالمقارنة بالفحم والبترول، في الحقيقة مش تكلفة التحويل لأن مصادر الطاقة المتجددة ثبت إنها أرخص كتير من حتى استخراج الفحم والبترول.

بس المشكلة كانت في التكلفة الأولية لتصنيع معدات التحويل، اللي هي الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح، مع البطاريات اللي محتاجينها لتخزين الكهربا، عشان نقدر نوزع استخدامها على الأوقات اللي مفيهاش شمس ولا رياح.
بس خلال القرن الحالي الواحد والعشرين قدرنا من خلال تطوير التكنولوجيا نخفض تكلفة إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة بنسب كبيرة، مثلا تكلفة إنتاج الكهربا من الطاقة الشمسية انخفضت بنسبة 85% بين سنة 2010 و2020، أما طاقة الرياح فقلت تكلفتها بنسبة 50% تقريبا في الفترة نفسها.


وعشان كدا بدل ما كان 100% من احتياجاتنا للطاقة مصدرها ما يسمي “الوقود الأحفوري” بقت النسبة دلوقتي 80% بس مع 20% بنجيبها من مصادر الطاقة النظيفة.
ودي مجرد البداية اللي نجحت تخلي تكلفة الطاقة المتجددة تقرب من تكلفة استخدام الفحم والبترول، مع الكثير من الفوايد التانية اللي هتكلم عليها دلوقتي.

التكلفة الأقل

دي ربما أقل فايدة هنجنيها من استخدام الطاقة المتجددة، لأن خلال سنوات قليلة هيبقى تكلفة إنتاجها أقل بكتير لو خدنا في الاعتبار التطور الكبير اللي حققناه في السنين العشرة الأخيرة، وحتى دلوقتي في أوروبا مثلا بقت تكلفة توليد الكيلواط ساعة من الشمس أو الرياح أقل خمس مرات تقريبا من الوقود الأحفوري، ومتوقع إنها تقل أكتر خلال الكام سنة اللي جاية.

الاستقلال الاقتصادي والأمن القومي

80 % من سكان العالم دلوقتي بيستوردوا احتياجاتهم من الفحم والبترول من الدول المنتجة تقريبا 6 مليار بني آدم، وده بيعرضهم لصدمات وأزمات ناتجة عن الظروف السياسية والاقتصادية اللي بيمر بيها العالم، في الوقت اللي كلهم عندهم نفس الشمس والرياح المتوفرة للجميع.

عشان كدا الاعتماد علي المصادر المتجددة هيساهم في تحرير اقتصادات أغلب البشر من تحكم منتجين البترول والفحم، وكمان هيحميهم من تقلبات الأسعار والصدمات والأزمات الناتجة عن الظروف السياسية والاقتصادية للعالم.
للسبب ده بالتحديد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة حطت هدف إن 90% علي الأقل من احتياجات البشر من الكهربا يكون مصدرها الطاقة المتجددة علي سنة 2050.

الطاقة المتجددة وسيلة للبقاء

أما Bهم سبب يخلينا مُصرين على التخلص من الوقود الأحفوري فهو احتمالات الفناء، اللي بقت واردة جدا ومش في المستقبل البعيد أبدا دي بقت محتملة جدا في حياة أغلب سكان الأرض اللي عايشين دلوقتي.
ارتفاع درجة حرارة الأرض واللي كلنا شفناه شهر (يوليو-2023) بتسجيل أعلي درجات حرارة في التاريخ، وكمان التغير المناخي اللي بقينا نصحي عليه كل يوم من فيضانات وسيول وتصحر وزلازل ونقص المية في الأنهار، واللي وصل إن نهر زي الدانوب أطول أنهار أوروبا بدأ يُظهر حطام السفن الغرقانة من مئات السنين.

أومال ايه اللي مانع إننا نعمل ده فورا ودلوقتي
ما الكلام ده حلو قوي وكله فوايد أهو.. أومال ايه اللي يمنعنا نعمل ده فورا ولا نستني 2030 ولا 2050.

أولا: التكنولوجيا وتكلفة نقلها

قلنا إن التكنولوجيا ساهمت في تخفيض تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة بشكل كبير خلال الكام سنة اللي فاتت.. بس الحقيقة دي ناقصة معلومة إن اللي عمل ده هو الدول المهيمنة على صناعة التكنولوجيا والتطوير في العالم، ودي نفس الدول اللي بتحقق أرباح كبيرة جدا من استخدام الوقود الأحفوري، وعشان كدا بتحجم التطوير في مجال الطاقة وفقا لمصالحها وعلاقاتها بالدول الفقيرة عشان تفضل متحكمة فيها.

ثانيا: وده الأهم الدول المنتجة للوقود الأحفوري

ودى بتلعب دور مهم في انتشار التحول من الوقود الاحفوري للطاقة النظيفة، عن طريق التحكم في إنتاج البترول تحديدا والتحكم في أسعاره عشان تفضل تكلفه الاعتماد عليه أقل دايما من تكلفة إنتاج الطاقة النظيفة.

مش بس كدا لكن باعتبار أغلبها دول غنية تملك احتياطيات مالية هائلة هي كمان المتحكمة في حركة الاستثمار في البلدان الفقيرة، وده بيخليها تفرض نوع التكنولوجيا المستخدمة في المشاريع وتوجهها ناحية استخدام البترول أكتر من الطاقة المتجددة.
وأكيد خطر في بالك الدول المنتجة للبترول زي السعودية والكويت وإيران، لكن مش بس الدول دي ممكن تضيف عليهم عمالقة زي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا اللي شركاتهم في صناعة البترول تقريبا بتحقق أرباح هائلة منه، ربما أكتر من الدول المنتجة نفسها.

والأكيد إن التحول ده أصبح مصيري لبقاء الإنسانية والحفاظ علي الأرض، لحد ما تسمح التكنولوجيا الجديدة بالحصول علي كوكب آخر نبدأ في تدميره زي ما عملنا في الأرض، وده بقي حوار موضوع تاني ممكن نتكلم فيه في تقرير تاني بعدين.

بقلم/ أشرف إبراهيم

زر الذهاب إلى الأعلى