ثقافة وفنوندنيا الكتب

القادم.. الجزء الثاني

القادم.. الجزء الثاني

مشهد جانبي

  • كلنا قولنالك ياهانيا إنك بترمي نفسك، وإنك مش مقيمة الأمور صح، وياما قولتلك خدي بالشواهد، بس كالعادة مسمعتيش غير صوت دماغك.
  • هو أنا بحكيلك يارضوى علشان تبكتيني؟
  • هو إنتي عمرك سمعتي نصيحة ولا ركزتي حتى في كلام؟ إنتي نافع معاكي حاجة أصلاً ؟ على فكرة، اللي إنتي ناوية عليه دة مش هيعجب عمو وطنط واحتمال عمو يتصرف معاكي تصرف مش هيعجبك.
  • أنا أخدت قراري يارضوى
  • إنتي عنيدة ومُغيبة ياهانيا، ومش هتفوقي غير لما تخسري كل حاجة، أنا همشي، فكري كويس مرة واحدة في حياتك، باي.

النكسة الأولى

بنمر في حياتنا بشخصيات كتير، مختلفة الأنماط والطباع والصفات، بس فيه شخصيات مش هقول قليلة، بس هي مش كتيرة، بتعيش وبتتعامل بطريقة خارج إطار المنطق، تصرفاتها وطريقة تفكيرها بتبقى بعيدة عن الواقع والوقائع، شخصيات عاطفية بالدرجة الأولى، منها شخصيات سيئة ومنها شخصيات كويسة، ولو أخدنا هانيا كمثال، أنا هوصفّْها شخصية من الشخصيات الكويسة، بصفات ومزايا كويسة جدا، لكن في الحقيقة هي من الشوية اللي بيتعاملوا في الحياة بصورة غير واقعية أو منطقية، أعتقد ده ناتج عن صفة العند المتشبعة بيها شخصيتها، والعاطفة الطاغية على عقلها والمتحكمة فيه، واللي بتخليها دايما تعتمد تفكيرها وقراراتها باعتبارهم صح بلا شك، بالإضافة لمجموعة من المعتقدات والقناعات اللي كل مرة تمشي فيها وراهم، تلبس في حيطة، ولو دي مشكلة كبيرة، فالمشكلة الأكبر، إنها مش بتتعلم.

مش هطول عليك ولا هدخل في تفاصيل كتير، أنا هقولك بس الأحداث الرئيسية، بعد ما عمرو عمل اللي عمله، مديرة المنزل خبطت على جارتها اللي دخلت هانيا عندها وفوقتها، وبعدين أخدتها هي وسليم وراحت بيهم ميامي عند والدها، اللي على أد ما كان شايط من عمرو، على أد ما كان بردو شايط من هانيا، واللي شيطه أكتر، إن تاني يوم عمرو جه تحت البيت، وطلع مرام لوحدها في الأسانسير ومشي.

  • من أول مرة شوفته فيها وأنا بقولك ده بني آدم غير سوي، كام مرة قولتلك مش ده اللي يستاهل، مش ده اللي تضحي علشانه، ومن أول شهر، كان كل كلامي بيتحقق وإنتي بتتعامي عن الحقيقة، ركبتي دماغك واتهمتيني بإني ظالمه ومتجني عليه، حاربتينا كلنا علشان تمشي اللي في دماغك، وفي الآخر، تجيلي مضروبة ومرميه على السلالم؟ ده أنا هولع فيه.

والد هانيا كان على وشك تجيله جلطة، وفي الحقيقة هو كمان كان حاسس بالذنب، لأنه رضخ واضطر يوافق على جواز هانيا من عمرو، وشايف إنه سبب من الأسباب، ولو كان اتمسك برأيه كان ممكن البنت وقتها هي اللي ترضخ، بس للأسفلودلوقتي ملهاش لازمة.

بعد يومين من اللي حصل، واللي عمرو مظهرش فيهم، والد هانيا كان مسافر القاهرة يوم بليلة وراجع، وبكل وضوح وحزم قالها لو اتحركتي من البيت تحت أي مسمى مش هيحصلك كويس، أتاري عمرو كان بيبعت لهانيا خلال اليومين دول إنه آسف وإنه مش عارف هو ازاي عمل كده، وإنه مش قادر يعيش من غيرها وإنه وإنه وإنه.. المشكلة بقى، لا لا لا، الحقيقة مش المشكلة إنها مالت مع كلامه وعرف يستدر عطفها وحرفياً (يشتغلها)، المصيبة والمشكلة الأكبر إنه لما قالهامستغل معلومة إن والدها سافرأنا هعدي عليكي آخدكم علشان نرجع بيتناكسرت كلام أبوها ووافقت!!!

سؤال وجواب

قبل ما تسألني وتقولي هي هانيا فين والدتها من كل اللي بيحصل ده، خليني أقولك إنها موجودة وبتعاني معاناه نفسية شديدة لسببين، الأول، هو الإحساس بالذنب، لأنها كانت بتحاول دايما تميل دماغ والد هانيا علشان يوافق على جواز عمرو منها، تحت مسمى إنها البكرية وأول فرحتهم، وإن الأمور أبسط مما هو شايفها، وإن عمرو لسه شاب صغير وبكره يعقل، وإنه بيحب هانيا وهيحافظ عليها، التاني، هو العجز، شايفة بنتها بتتبهدل، وعايشة عيشة سودة، ومش عارفة تعملها حاجة، بس عاوز أقولك حاجة مهمة، هانيا أصلا راكبة دماغها وبتعند من منطلق (مش بعد ما أحارب الجميع وأقف في وش أبويا اطلع في الآخر غلطانة واختياري غلط، بكره الأمور هتتعدل).

خد بالك إن بكره ده ليه أكتر من تسع سنين لسه مجاش!

إيه رأيكيا ترى بكره ده هييجي؟ الشواهد الواقعية المنطقية بتقول إيه؟

صحوة؟

هو حرام يعني الواحد يعيش مبسوط؟ أنا ليه بيحصل معايا كده؟! لا ياهانيا طبعا مش حرام إن الواحد يعيش مبسوط، أنا هعتبر نفسي مسمعتش سؤالك التاني، وهرد على السؤال الأولاني وأعرفك هو ازاي الواحد يعيش مبسوط، وحقيقي أتمنى إنك لما تسمعي الإجابة، تعرفي تردي على سؤالك التاني بنفسك لأن ده مهم، هو ليه بيحصل معاكي كده؟… (هانيا بتسأل نفسها)

القدرة على الاختيار، ميزة غالية وأساس مهممن وجهة نظريلرسم المشاهد الحياتية المستقبلية اللي تخلق بيها الانبساط والسعادة، القدرة على الاختيار أنا بعتبرها فرصة واجبة الاستغلال، خاصة لما يكون فيه أدوات أقدر استخدمها لدعم الاختيارات دي، زي المواقف الواقعية اللي نتايج تحليلها بتكون بمثابة أدلة وشواهد، اللي بتوضح جزء كبير من المستقبل القريب، وزي إجمالي التصرفات لشخص ما مثلا، اللي بتكشف عن جانب كبير من شخصيته، وده بيستلزم تغليب حكم العقل على رغبة العاطفة، وحساب الخساير ونتيجة مقارنتها بالمكاسب، بالتالي هكون استغليت قدرتي على الاختيار أو فرصة الاختيار، بشرط إني أكون أحسنت في تحديد الاختيار ده، ومن هنا تتحقق السعادة ويتوفر الانبساط.

حاجة تانية مهمة لازم تتوفر، وتوفرها مهم جدا، التعلم من الأخطاء والمواقف، وبمعنى تاني، الدروس المُستفادة من نتيجة الأخطاء والمواقف اللي بنُقع فيها، وأهمية القدرة دي متمثلة في إنها بتحمينا من التكرار المستمر للأخطاء وبالتالي، التكرار المستمر للخساير، لأني كل ما هكرر الغلطة أو التصرف السيء في الموقف المتكرر، كل ما هتكون الخسارة أكبر من اللي قبلها، وكل ما كان رصيدي السيء سواء عندي أو عند الطرف التاني كبير، وقتها مش هيلاقي اللي يتجاوز بيه الموقف أو الغلطةالمكررةوعلى فكرة، وركزي كويس في الكلمتين الجايين دولالحب مش رصيد، الحب حالة بيدعمها الرصيد، أو بيهدها، مركزه ياهانياالرصيد بيدعم الحب أو بيهده“.

آخر حاجة بقى، علشان أبقى كفيت ووفيت، التناقض والتضارب ما بين القول والفعل، وما بين ردود الأفعال على المواقف المتشابهة، بيهز الثقة وبيخلق شعور بعدم الأمان والاطمئنان، وبالتالي ضبابية المشهد خاصة المستقبلي.

ومن الطبيعي إن كل واحد يخاف ويقلق على مستقبله، خاصة بقى للي بيعرف يقراه من تحليل المواقف والنتايجالرصيد ياهانيا، الرصيد الرصيد الرصيد، يا بيدعم الحب يا بيهده

أتمنى ياهانيا تكوني فهمتي إجابة سؤالك الأول، وتقدري من خلالها تجاوبي على سؤالك التاني، أنا ليه بيحصل معايا كده؟!

اللقاء الأول

لما هانيا كسرت كلام والدها ورجعت البيت مع عمرو وهو مسافر، كان بالنسبة لعمرو انتصار كبير عليها وكمان على والدها، وكان بالنسبة لوالدها خيبة أمل عظيمة، وبالرغم من ضيقه منها ومن تصرفها، إلا إنه كان مشفق عليها وعلى الحال اللي وصلت ليه بكامل إرادتها، في الأول وفي الآخر هي بنته بردو، بس للأسف لم يكن باليد أفضل مما كان.

بعد ما هانيا رجعت بيتها ولمدة شهرين تقريبا، اكتشفت أو خليني أقولك اتفاجئت إن مفيش أي حاجة في عمرو أو في حياتها اتغيرت، وزي ما بيقولوا رجعت ريما لعادتها القديمة، اللهم إلا إنه ممدش إيده عليها تاني، بالرغم من إن المشاكل والمناوشات استمرت زي ما هي، شخص وجوده زي عدمه، البيت بالنسباله لوكاندة، بيصرف على نفسه بس، شايف إنه مكسب عظيم لكونه اتجوزها، وشايف كمان إن من حقه إن الكل يخدم عليه عرفانا بالجميل ده، وأنا أتخيل إن هانيا ابتدت تكتشف تشوهاته النفسية وإنه شخصية غير متزنة، بس بعد إيه، سبق السيف العزل، وعلشان هانيا شخصية عنيدة وكمان غير واقعية أو منطقية، فضلت تستحمل وتستنى إن أمل التغيير يتحقق، وتتحسن الأحوال، عن إنها ترفع راية الهزيمة وتقول أنا اخترت غلط.

من ساعة ما هانيا اتجوزت، وزياراتها للكافيه اللي كانت متعودة تروح تقعد فيه بقت نادرة أوي، يمكن عدد المرات اللي راحته فيها خلال تسع سنين جواز ميعدوش العشر مرات، لدرجة إن الناس اللي بقوا شغالين فيه ومن كتر ما اتغيروا مبقاش فيهم حد عارفها زي الأول.

وفي يوم من الأيام، صحيت الصبح ومسيطر عليها إحساس إن الكافيه بيناديها، ومحتاجة تروح جدا، فيه طاقة جذب غريبة محاوطاها، فقررت إنها تنزل تفطر فيه وتقعد زي ما تقعد، وفعلا، هانيا نزلت الساعة تسعة ونص الصبح وراحت الكافيه، ومن حسن حظها لقيت الترابيزة اللي كانت متعودة تقعد عليها فاضية والمكان هادي، وبعد ساعة تقريبا.

  • زمان قولتلك إنكبتخسري وبتغرقيمسمعتيش الكلام!

بدون سابق انذار، وبشكل مفاجئ وفي منتهى الغرابة، هانيا لقيت واحد قاعد معاها على الترابيزة، وكأنه ظهر واتوجد من العدم، شاب وسيم، في أواخر التلاتينات، لابس بدلة كاملة، أول مرة تشوفه في حياتها، ملهوش شبيه حتى في خيالها، مبتسم ابتسامة هادية، باصص في عينيها بثبات وثقة.

  • إنت مين؟ وإزاي تقعد كده بدون استئذان؟ إزاي تقعد أصلا؟
  • واضح إنك مسمعتينيش كويس ياهانيا
  • هانيا؟! إنت تعرفني منين؟ إنت مين؟
  • ركبتي مركب بدون شراع، ودخلتي بيها في عرض البحر ياهانيا، مجاديفك وقعت والبحر كل مدى موجه بيعلى، الشط بعيد، بس لسه أودام عينك
  • مركب إيه وشط إيه، اتفضل لو سمحت قوم من هنا علشان هعملك مشكلة
  • الحقي ارجعي قبل ما تبعدي وتتوهي

هانيا هزت راسها، وبصت وراها علشان تنادي حد من عمال الكافيه، ملقتش حد واقف، فرجعت علشان تقوله لآخر مرة قوم من هنا، لكن المفاجأة المرة دي كانت أغرب من اللي قبلهاهانيا كانت قاعدة على الترابيزة لوحدها!

بعد تلات شهور

  • رضوى أنا متجننتش، بقولك كلمني وكلمته
  • ياهانيا ياحبيبتي، إنتي سامعة إنتي بتقولي إيه؟!
  • أنا واثقة من اللي أنا شوفته زي ما أنا شايفاكي أودامي
  • ياهانيا ده فيلم سر طاقية الإخفا اللي بتقوليه ده
  • يارضوى مش وقت هزار
  • والله ما بهزر، بس اللي بتقوليه ده خيال
  • على فكرة مش دي المشكلة، المشكلة إني مستنياه أو بمعنى أصح محتاجاه
  • إنتي كدة بقى اللي بتهزري، مستنيه مين ومحتاجة إيه
  • مش قادرة انسى الكلام اللي قاله يارضوى وكأنه عارف حياتي، الكلام بيرن في دماغي بشكل مستمر، حاسه إني محتاجه اسمعه تاني
  • هانيا أنا ابتديت أقلق عليكي
  • وأنا ابتديت أقلق من غيابه يارضوى
  • تقلقي من غيابه؟ هانيا انتي داخلة في نفق مظلم، وده خطر عليكي، وأنا مش عارفة أتصرف
  • لا يارضوى، أنا مش داخله نفق مظلم ولا حاجة، بالعكس، أنا هطلع من النفق المظلم اللي دخلت نفسي فيه، بس نفسي أشوفه تاني، حقيقي عاوزة أشوفه، أنا هنزل بكره أروح الكافيه
  • طيب تحبي آجي معاكي؟
  • لا طبعا مش هينفع، هروح لوحدي علشان أشوفه
  • طيب ممكن تطمنيني عليكي لما ترجعي؟
  • حاضر متقلقيش

تاني يوم هانيا نزلت الصبح في نفس الميعاد، راحت الكافيه وقعدت على نفس الترابيزة، مكانش ليها نفس لأي حاجة، حتى القهوة اللي طلبتها مشربتهاش، كانت قاعدة مركزة عينيها على نفس الكرسي اللي ظهر عليه الشخص المجهول، وكأنها كانت بتستحضره، ولمدة أربع ساعات هانيا قاعدة مستنية، بس للأسف مفيشمحضرش

المرة دي هانيا روحت بإحساس مختلف تماما عن المرة اللي فاتت، هانيا كانت حاسة إنها تايهة، لدرجة إنها روحت مشي، وطول ما هي ماشية، كانت بتدور عليه في وشوش الناس، هانيا اكتشفت إنها حافظة ملامحه، وكمان حافظة كلامه، يمكن محتاجة تسمعه تاني؟ أو يمكن تكون محتاجه تسأله؟ ووارد تكون محتاجه تبكي بين إيديههنشوف

وتتوالى الخيبات

  • بتكلم مين ياعمرو؟
  • واحد صاحبي
  • واحد صاحبك؟! الساعة اتنين بالليل في البلكونة؟
  • أيوة إيه المشكلة يعني؟
  • بس أنا سامعة صوت واحدة يا عمرو، أنا واقفة من بدري والصوت باين من التليفون وواضح
  • لا إنتي بيتهيألك
  • بيتهيألي؟ ااااه، ويا ترى بيتهيألي كمان إنها مي؟!
  • بقولك إيه ياهانيا، أنا مش عاوز وجع دماغ
  • وجع دماغ؟! على فكرة أنا عرفت إنك ماشي مع المعفنة اللي مشيت مع نص الدفعة بتدور على معفن زييها تعمل عليه شريفة
  • إنتي بتقولي عليا معفن؟
  • إيه ده، إنت ماشي معاها أهو
  • بقولك إيه، ريحي نفسك واطلعي من دماغي، آه ماشي معاها وهتجوزها كمان، وأعلى ما في خيلك اركبيه.

هتستنى تحصد إيه من زرعة مروية بمية صرف صحي؟!

منتظر مية طعمها إيه من بير مرمي فيه حيوان نافق؟!

إزاي تبقى عارف وشايف الشر من واحد وتحلم يجيلك منه خير؟!

في نفس الليلة دي، والد هانيا صحي على تليفون، اللي اتصل بيه قاله

  • إلحق ياحاج سيد، بنتك سايحة في دمها ومودينها المستشفى الدولي

*** انتهى الجزء الثاني ***

تعليق واحد

  1. فيه ناس في الدنيا ربنا بيوهبهم هبة او ملكة معينة.. الناس دي بتنجح و تتألق لما بتستغل الهبة الربانية و توظف الملكة الآلهية توظيف صحيح.. و انا كلي إيمان أن الكاتب أحمد الشمندي أحد هؤلاء الموهبين.. بوركت موهبتك

زر الذهاب إلى الأعلى