ثقافة وفنون

الساعة والناي

الساعة والناي.. في أي مكان حين تدق ساعات الحائط لا أشعر بثقل دقاتها. أما ساعة الحضور والانصراف تلك، والتي لا تأخذ أكثر من تكة واحدة…!. أمقت هذه الساعة التي تشعرني بآلية الحياة. تلك الساعة التي يقف عليها أحد أفراد الأمن المعين من قبل الفندق يعمل بالتناوب مع أشخاص تجمعهم صفات واحدة خصوصا التجهم.. يتوقف الباص الخاص بالعاملين على بوابة الفندق الخلفي يندفع العاملون إلى الساعة للتوقيع، فيأخذ صوتها يتتابع مع توقيع العاملين. أصل إليها متمهلا واسحب أخر كارت مدون عليه اسمي وأبثه فيها ليندفع من الساعة آخر صوت. آخر طلقة. أظل بعدها لحظات معكر المزاج.

وعند الانصراف خاصة إذا كانت نوبة العمل ليلية وتكون ساعات الليل قد تركت أثرها على. أتوجه إلى الساعة مترنحا ويبدو الممر المؤدي إليها طويلا جدا. واللمبة الصغيرة الموجودة بها والمضاءة لكي تدل على أن الكهرباء لا زالت تمدها بالسم لكي تعمل وأنها قد هيئت لي كي أترك بصمتي على مرأى من رجل الأمن الذي استلم وردية عمله منذ دقائق. والقادم من الأقاليم كغالبية زملائه. وقد استنشق هواء بلدته لتوه وتركه لحين عودته مع قطاره الذي يمر على خضرة القرى. أمقت هؤلاء الناس وأدرك أنه ليس من العدل إلا أشاركهم ذلك الهواء النقي. أصل إلى الكارت وهو الوحيد الذي انثنت حروفه دون سبب لعله هو أيضا شعر بثقل تلك الساعة. أعدل من شأنه وأضعه يطلق بصقة في وجه الحارس.

بعد سنوات وكنت قد تركت الفندق فكرت أن أحتفظ بهذا الكارت لكنني رفضت الفكرة وظلت هناك ومضات ذكرى. كان الاحتفال صاخب برأس السنة وعند الثانية عشر تماما اندفعت إلى قبلة قوية لم أتوقعها لكنني سرعان ما أخذت هذا الجسد بقوة معتصرا هذا النهد الساخن بعد إضاءة المكان. كانت بالمنضدة التي أتابع العمل بها زوجة ثري انتظرته ولم يأت كانت معها طفلتها في العاشرة. قالت لي إذا لم يأت الليلة سنتدبر الأمر. كنت مثلها… دعوت بكل الأشياء التي أحبها والتي لا أحبها ألا يأتي.

هيئت نفسي لأكون ذلك الثري في جسد نحيل لكنه متخم بالأمل والأوجاع. بعد ساعة ونصف ابتسمت فجأة لمدخل القاعة لم أستطع أن أنظر لموقع الابتسامة. اندفع إليها بلكنته العربية الثقيلة تحدث عن أسباب تأخره. كنت أرتجف لهفة وألم لم أتحمل لا مبالاتها لي. انصرفت خارج الفندق استقبلني هواء الفجر ذلك الهواء الذي طالما تمنيته لكنني لم أشعر بنشوته تلك الليلة.. انصرفت دون توقيع في الساعة. بعد أن تركت العمل قبل انتهاء الموعد بساعة.. لكنني لم أستطع إسكات وطأة تلك الساعة والنصف التي انتظرتها لكن الثرى وصل… ودوما تتابع لدى الصور.. رجل أمن يقف مفعما بالثقة تجاه عمل تافه.. قبلة.. لهفة.. بصقه جسد ساخن.. إيقاع ناي سقط سهوا لا أعرف مصدره من شدة الصخب.

قصة قصيرة

زر الذهاب إلى الأعلى