كوبيرا والخروج عن القطيع
اكتسبت لوحة «الخروج عن القطيع»، للفنان البولندي توماش كوبيرا شهرة كبيرة، لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في السنوات الأخيرة، ولكن قبل التأمل في ذلك العمل الفني، دعونا نتعرف بشكل سريع على القطيع وسلوكه:
ثقافة القطيع
سلوك القطيع هو مصطلح يُطلق على سلوك الشخص في الجماعة عند قيامه بالتصرف بسلوك الجماعة، التي ينتمي لها دون تفكير أو تخطيط مسبق.
وكان عالم الأحياء الإنجليزي هاملتون سميث، هو أول من أطلق مصطلح «سلوك القطيع»، فرأى أن كل عضو في مجموعة ما يخدم نفسه بالدرجة الأولى، حيث يقلل الخطر عن نفسه بالدخول مع الجماعة في سلوكهم من أجل أن يظهر القطيع بمظهر الوحدة الواحدة، الذي يتبع فيه الفرد الأضعف أو الأقل نفوذاً أو مالاً، من هم أقوى منه وأشد نفوذاً.
ويُطلق مصطلح سلوك القطيع على تصرف الحيوانات في القطيع أو السرب من الطيور، خصوصاً عند استشعار الخطر.
العقل الجمعي وسلوك القطيع
يتم الخلط كثيرًا بين مصطلحي العقل الجمعي وسلوك القطيع، لاسيما أن الأول يعد ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً.
ويُنسب مصطلح العقل الجمعي إلى اثنين من العلماء الفرنسيين، وهما «جابرييل دي تارد» و«جوستاف لوبون»، اللذان أرادا تفريقه عن سلوك القطيع، بعدما أشاروا إلى وجود حراك ميكانيكي في الأخير ، حيث يبرز الجهد البدني في مقابل إضعاف الجهد الذهني ليصبح الإنسان أشبه بقارب تتقاذفه الأمواج، فيما يتواجد عنصر الفعل الإرادي للتماثل مع الجماعة في العقل الجمعي.
وضرب دي تارد ولوبون مثالًا للعقل الجمعي بارتداء الإنسان للباس معين بكامل إرادته تفاديًا للتمايز عن الجماعة.
كيف لخص كوبيرا سلوك القطيع؟
وُلد الفنان البولندي توماش آلان كوبيرا بمدينة «كوجوخوف» عام 1976، حيث درس الهندسة المعمارية قبل أن تبرز موهبته في الرسم بالزيت على القماش، وكانت الطبيعة البشرية وأسرار الكون هي مصدر إلهام كوبيرا الأول في أعماله الفنية.
ولم يمنح كوبيرا اسم الخروج عن القطيع للوحته الشهيرة، إلا أنها اكتسبت ذلك الاسم بسبب تفاصيلها الدقيقة، التي توضح مجموعة كبيرة من الناس المتشابهين في كل شيء من حيث الملامح الجامدة والأحجام، وهم متراصين في صفوف كقطع الدومينو، فيما يحاول أحد الأشخاص الخروج من ذلك القطيع، وهو يصرخ في الوقت الذي يمسك به أحد أفراد القطيع من أجل منعه من التحرك والانسلاخ عنهم.
واختار كوبيرا القطيع مرسومًا من الثلج في شكل قوالب للتعبير عن جموده وتصلبه وبروده، فهو خالي من المشاعر وأجوف الفكر مما لا يسمح له بالنمو مطلقًا.
وأبرز كوبيرا الشخص الخارج من القطيع بلون أقرب للنار، بدأت حرارة الحياة تدب في جسده ليصبح لهيبًا مشتعلًا وسط عتمة القطيع، الذي لن يتركه يشكل هويته بتلك السهولة في إشارة من الفنان البولندي لمعاناة السباحة ضد التيار، حيث يسعى القطيع لشد المنشقين عنه بعنف ناحيته حفاظًاً على وحدته وشعوره الزائف بالأمان.
وأظهر معاناة المنشق عن القطيع في صراخه الذي يعبر عن ألمه الداخلي، وهو ما يؤكد أن الطريق نحو حلم الحرية لن يكون بالممهد أبدًا. وأراد كوبيرا أن يرسل لنا رسالة عبر لوحته الفنية بأنه إذا أردت التغيير، فإنك مطالب بالتغيير من داخلك أولًا قبل أن تفكر في دعوتك للآخرين لاحقًا.