غير مصنف

كايلا هاريسون.. من ضحية التحرش إلى أسطورة أولمبية

كايلا هاريسون.. يُولد الأبطال من رحم المعاناة، ومن عمق المشاكل يأتي الفرج، مقولة طالما سمعناها كثيرًا حيث آمن بها البعض ليصنعوا مجدًا شخصيًا تحدى كافة الظروف الصعبة التي مروا بها، وهنا سنرصد قصة بطلة الجودو الأمريكية كايلا هاريسون.

نشأة رياضية

وُلدت كايلا هاريسون بولاية «أوهايو» الأمريكية يوم 2 يوليو عام 1990، حيث لعبت والدتها «جيني يازيل» دورًا كبيرًا في عشقها لرياضة الجودو منذ نعومة أظفارها في ظل حصولها على درجة الحزام الأسود بها، لتبدأ كايلا ممارسة اللعبة في سن السادسة.

حادث تحرش ودعم كايلا

بدأت كايلا التدرب تحت قيادة المدرب «دانيال دويلي» بعد بلوغها سن الثامنة، علمًا بأنه كان صديقًا مقربًا لعائلة هاريسون، إلا أن الفتاة الأمريكية الصغيرة تعرضت لتجربة مريرة من مدربها الذي تحرش بها جنسيًا عند بلوغها الثالثة عشر من عمرها لتخطر إحدى زميلاتها في الأكاديمية بالواقعة، التي تكررت في أكثر من مناسبة.

وأخطرت زميلة كايلا والدتها بتعرض نجلتها لتحرش واستغلال جنسي مستمر من دويلي، لتقوم بإبلاغ الشرطة عنه، حيث تم إثبات الواقعة ليتعرض المدرب الأمريكي للسجن عشر سنوات والحرمان مدى الحياة من ممارسة التدريب.

وتحدثت كايلا هاريسون في إحدى حوارتها السابقة مع شبكة «سي إن إن» الأمريكية عن الأثر النفسي المرير، الذي تركته واقعة التحرش في نفسها، حيث فكرت في التخلي عن رياضة الجودو نهائيًا، بالإضافة لسيطرة فكرة الانتحار عليها لفترة طويلة بعدها، إلا أن حلمها بتحقيق الميدالية الأولمبية في اللعبة ودعم المقربين منها، لاسيما والدتها ساعدها على تخطي تلك التجربة المؤلمة تدريجيًا.

وحرصت «جيني» على دعم نجلتها كايلا لمواصلة تدريبها في الجودو بعد واقعة التحرش، فقررت الرحيل إلى ولاية «بوسطون» للتدرب تحت قيادة المدرب «جيمي بيدرو».

نجاحات مبكرة لكايلا

أظهرت كايلا هاريسون تفوقًا مبكرًا في الجودو، ففازت ببطولتين محليتين في سن الخامسة عشر، علمًا بأنها قررت الانتقال للعب في منافسات وزن 78 كلج، بدلاً من 63 كلج في عمر الثامنة عشر.

وأثبتت كايلا جدارتها في منافسات الوزن الجديد بعدما حصدت ذهبية بطولة العالم عام 2010 باليابان، لتصبح أول لاعبة أمريكية تحقق ذلك الإنجاز. ونجحت في إحراز الميدالية البرونزية ببطولة العالم عام 2011 بفرنسا، لتحصد ثاني ميداليتها على المستوى العالمي.

كايلا تحقق حلم الطفولة

انتظرت كايلا هاريسون دورة لندن الأولمبية 2012 على أحر من الجمر لتحقيق حلم الطفولة، إلا أنها تعرضت لإصابة قوية بتمزق في الرباط الجانبي للركبة قبل البطولة، مما أثار الشكوك حول قدرتها على المشاركة.

ونجحت في التعافي من الإصابة قبل بدء البطولة بفترة قليلة لتفاجئ الجميع بأدائها المذهل، لتطيح بجميع منافسيها دون أن تنجح أي منهن في تسجيل أي نقطة ضدها لتتوج بميدالية ذهبية أولمبية، هي الأولى في تاريخ الولايات المتحدة بالجودو سواء على مستوى السيدات أو الرجال، وهو ما جعل اسمها يدخل في قاعة مشاهير اتحاد الجودو بأمريكا عام 2015.

كايلا ترسخ أسطورتها الأولمبية

لم تفقد كايلا شغفها إلى تحقيق المزيد من الميداليات بالجودو، فنالت برونزية بطولة العالم عام 2014 بروسيا لتتبعها بفضية بطولة «بان أمريكان» عام 2015 ثم ذهبية دورة الألعاب الأمريكية في نفس العام قبل أن تضيف ذهبية أخرى في بطولة “بان أمريكان” عام 2016 قبل بدء منافسات دورة ريو الأولمبية بأربع أشهر.

وكانت الأضواء مسلطة على كايلا بشدة خلال مشاركتها في أولمبياد ريو 2016، باعتبارها صاحبة المجد الأولمبي للجودو الأمريكي في الدورة السابقة، لتقدم اللاعبة الأمريكية أدائها الأروع في تلك البطولة، بعدما أطاحت بجميع منافسيها بالنقطة الكاملة «إيبون»، دون أن تنجح أي منهن في تسجيل أي نقطة ضدها، لتتوج بالذهبية الأولمبية الثانية وتتحول إلى أسطورة باللعبة.

ما بعد الجودو

قررت كايلا إنهاء مسيرتها بالجودو بعد ذهبية ريو 2016، وذلك في عمر السادسة والعشرين لتقرر خوض مغامرة جديدة باقتحام رياضة الفنون القتالية المختلطة، حيث خاضت نزالها الأول أمام مواطنتها «بريتني إلكين» يوم 21 يوليو عام 2018، لتحقق الفوز بالجولة الأولى عن طريق حركة كسر الذراع «armbar».

واستفادت من مهاراتها العالية وخبراتها العريضة في الجودو في تحقيق الانتصار تلو الآخر بالفنون القتالية المختلطة، بعدما خاضت 17 نزالاً، حققت خلالهم 16 فوزا؛ من بينهم 6 باستسلام المنافس و6 بالضربة القاضية مقابل 4 بإجماع الحكام، علمًا بأن البطلة الأمريكية لا تزال تواصل مشوارها في اللعبة حتى يومنا هذا.

ونجحت كايلا هاريسون في التتويج بلقب بطولة العالم للسيدات في الوزن الخفيف للفنون القتالية المختلفة عامي 2019 و2021.

كايلا خارج الحلبة

حصلت كايلا هاريسون على حق الحضانة الكاملة لابنة أختها «كايلا» وابن أخيها «إيمري» عام 2020، بعد الوفاة المفاجئة لزوج والدتها، والذي كان يتولى حضانة الطفلين.

وتحدثت كايلا كثيرًا عن لحظة تولي حضانة الطفلين باعتبارها من أهم الأحداث، التي غيرت حياتها بشكل إيجابي، لاسيما مع حدوثها في وقت أزمة جائحة فيروس «كورونا»، وتوقف النشاط الرياضي في ذلك الوقت.

وتحرص أيضا على التقاط العديد من الصور والفيديوهات مع الطفلين في مختلف المناسبات، حيث تقوم بنشرها عبر حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

كايلا مصدر إلهام

تحولت كايلا هاريسون إلى مصدر إلهام بسبب تجربتها الناجحة في التعافي من آثار التحرش الجنسي، وهو ما جعل فريقًا من علماء الطب النفسي بجامعة هارفارد الأمريكية، يستعينون بها لتروي تجربتها في كتاب «القتال مرة أخرى»، والذي يركز على كيفية تفادي الأطفال لتجربة التحرش والتعامل حال وقوعه.

وأسست كايلا منظمة غير ربحية تحت اسم «بلا خوف»، والتي تهدف إلى التوعية بمخاطر التحرش الجنسي بالأطفال، وكيفية استخدام الرياضة كأحد طرق العلاج الفعالة للتعافي من آثار تلك التجربة المؤلمة.

ولعبت دورًا مهما في قضية «لاري نصار» طبيب المنتخب الأمريكي السابق للجمباز عام 2018، والذي تمت إدانته بالتحرش بأكثر من لاعبة، حيث حرصت بطلة الجودو الأمريكية على دعم ضحايا التحرش، وتحفيزهن لتجاوز آثار التجربة من أجل مواصلة مسيرتهن بالجمباز.

زر الذهاب إلى الأعلى