نفسانى

النسبية الخاصة

النسبية الخاصة  – كتب كريم حسن :-

هل الحقيقة كالخيال؟ أليس من الممكن أن تنقلب الموازين؟ قد كان في زمن من الأزمان اعتقاد أن الأرض مسطحة حقيقة لا يمتري فيها أحدٌ، وكان في الوقت ذاته من يقول بكرويتها يوصف بأنه ضربٌ من الخيال، وكانت الأرض بالنسبة للناس هي مركز الأفلاك والشمس تدور حولها، ومن يقول بغير ذلك كان يُتهم بالجنون وقد يصل الأمر إلي محاكمته وسجنه ونفيه. فما هو حَدُّ الحقيقة؟ أهي مطابقة الخبر للواقع، والتوقُّعِ للأَثَرِ؟ وهل كل ما نراه ونُدْرِكه يكون واقعيًا، بمعنى أنه يجب أن نصدق حواسنا وحدسنا، أم على ماذا نعتمد؟

النسبية الخاصة

لنفرض أنك ترى بأمّ عينك شخصًا يَتَعَدَّى على آخر، إنه لا يُتصور أن يقصر عن اتهامه أحدٌ؟ ولكن إذا قلت لك أنَّ هذا الشخص مُهدَّدٌ بحياته إن لم يفعل ذلك ولكنك لا ترى ذلك، فحينها قد يتغير موقفك منه، لأنَّ خفاءَ العِلَّة عنَّا يُحتِّم علينا محاسبته على حسب ما ظهر لنا.

فأين مُستندُ الحقيقة المطلقة إذًا؟ أهو العلم وقدرته على توقع الحوادث؟ ألا يمكن أن تكون منظومته غير مطلقة الصِّحة ولكنها تتحايل مع بعضها بإحكامٍ حتى تَصِل وتُوصِلُنا إلي صورة الواقع التي نراها؟ ألم تكن القوانين الكلاسيكية لنيوتن مَرجع يُعَوِّل عليه العلماء والمفكرون ويرون أنهم بذلك قد جمعوا بتحصيله علم الأولين والآخرين، حتى جاءت نسبية الزمن، فقَوَّضت بنيانها، وزعزعت ما يعرف بالحدس السليم. هل كلُّ هذا كفيل بالجزم بأن كلَّ حقيقة نُدرِكُها فهيَ نِسْبيَّة؟ أو أبعد من ذلك بأنه لا توجد حقيقة مطلقة من الأصل؟ لئن فعلنا ذلك، لطولِبنا بالمرجع الذي نستند إليه في إقرارنا بهذه الحقيقة هي الأُخرى! إذ قولنا بأنه ليس ثمة حقيقة مطلقة هو شئ يحتاج إلي البرهان عليه، لأنه في معرض الإقرار بحقيقة جديدة.

إنَّ الحقيقة هي الخروج من الخفاء إلي الجلاء مع امتناع كل عوائق الإدراك، والخفاء هو التوقع، والجلاء هو الأثر، والمُدِرِك هو الحسُّ والعقل أو كليهما مع القلب أو القلب والعقل أو الحسُّ والقلب، وكلٌّ له عائقه، وكلٌ منهم له حقيقة تَخُصُّ طبيعتَه، فالحسُّ والعقل يعملان في إدراك الواقع الخارجي، وحقيقته المطلقة لم تُحدد بعدُ، أو ستظل نسبية إلي أجل غير مسمًّى، كما قَرَّرنَا ذلك.

اقرأ أيضًا:

سرطان النفس والروح

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى