محاولات لتحليل العقل البشري.. كان فيلهلم فونت من المؤسسين لعلم النفس، حيث أن علم النفس لم يكن علمًا ولم يكن مستقلًا قبله، بل كان أحد مواضيع الفلسفة، فكان فونت أوّل من أنشأ معملًا تجريبيًا في علم النفس في ألمانيا.
لقد حاول فونت أن يفهم طبيعة الوعي البشري والخبرات العقلية التي نمرُّ بها، فسعى إلى تطوير منهجٍ علميٍّ لفهم هذه الطبيعة، ووضع نظريته المعروفة بالبنيوية «structuralism»، فهي كما هو واضح من اسمها تقول بأنه ثمة عناصر أساسية مكونة للوعي، وهذه العناصر هي التجارب التي مرّ بها الإنسان منذ ولادته وحتى اللحظة الحالية التي يمر بها، فالوعي إذًا هو عبارة عن مجموع هذه التجارب.
تحليل العقل البشري
لذا، فإنه يمكن دراسة المواقف من خلال حالات الوعي الأكثر جذرية من تفكير وغيره. استخدم فونت وتلميذه تيتشنر مع مرضاهم ما يسمى بالإستبطان «Introspection»، وتعني مطالعة خبايا النفوس من مشاعر وأفكار حينما يتكلم المريض عما يشعر به أمام المحلل النفسي.
حصل ويليام جيمس (1842-1910) على شهادته في الفيسيولجيا، أو علم وظائف الأعضاء، وكانت الفلسفة بجانب دراسته أكبر اهتمامته، ولكنه بعد ذلك احتار في أمره؛ أيّ شيء يدرس، فالظاهر أنه كان مولعًا بكليهما، فما إن قرأ في علم النفس حتى مالت إليه نفسه ورأى فيه بغيته؛ إذ يجمع بين الفلسفة وعلم وظائف الأعضاء.
كان جيمس من أولئك الذين سألوا أنفسهم عن العلاقة بين الوعي الداخلي والجسد الخارجي، وقال في كتابه «أساسيات علم النفس» إن عملية التفكير تعتمد على الشخص الذي يعيشها؛ لأن كل شخص له تكوينه العقلي الخاص به، فليس كل الناس قد مرّت بنفس التحارب الحياتية مثلًا، وقال بأن العلاقة بين عقل وفيسيولجيا الإنسان علاقة مباشرة، فلو أن أحدًا ما رأى شيئًا مخيفًا، فإنه تزداد ضربات قلبه، وينصبّ عرقه، ويمرّ بتلك التغيرات الفيسيولوجية المعروفة، ولا يمرّ بهذه التغيرات إلا بعد أن يدرك الموقف إداركًا تامًّا<
فمثلًا، لو أن هذا الحيوان المخيف كان في قفص، فإنه من المتوقع ألا تحدث أيٌّ من هذه التغيرات. كان جيمس يرى أن التفكير لا يمكن فصله إلى مكونات أكثر بساطة، كما يقول فونت؛ لأن العقل معقد جدًا لا يمكن فصله إلى إدراكات منعزلة، وعملية التفكير عملية مستمرة لا يمكن تقطيعها إلى وحدات منفصلة.
التفكير والظروف المحيطة
فنحن إذا أدركنا شيئًا ندركه ككل، فمثلًا إذا أدركنا موزًا، فإننا لا ندرك لونها، ثم شكلها، ثم نردها إلى صورة الموز في ذهننا حتى ندركه موزًا، ولكننا ندرك ذلك كله مرةً واحدة، وفوق ذلك هناك كثير من التجارب التي نمرُّ بها دون أن ندركها أصلًا، كالأفعال اليومية المعتادة، فأنت لا تدرك أنك تأكل في أغلب الأحيان إذا أكلت، ولكنك تفعل ذلك بلا وعي.
وقال جيمس إن الناس تميل إلى التفكير طبقًا للظروف المحيطة، فإن تفكيرها يتكيف مع البيئة التي تحيط بها مثلما تتكيف الأعضاء والوظائف الحيوية، حتى تبقى كما يقولُ داروين، وهذا ما يمسى بالنظرية الوظائفية.
ومن تطبيقاته ما يمسى بعلم النفس الغيشتلتي، أو الشكليّ «Gestalt Psychology»، والذي يقول بأنه لا بد من دراسة الكلّ، لأن الكلّ كمجتمع تتكون له خصائص جديدة مختلفة عن أجزاءه المكونة له، فمثلًا إذا كانت أمامك صورة فيها شعرُ رأس وفم فقط، فإنك في الأغلب ستدرك أنها رأس شخص ما، ولن تدرك أجزاءها منفصلةً.
كتب – كريم حسن